فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وعن أبي أنه قرأ {هبنا} بلا همز قال ابن جني: وقراءة ابن مسعود أقيس فهبني بمعنى أيقظني لم أر لها أصلًا ولا مر بنا في اللغة مهبوب بمعنى موقظ اللهم إلا أن يكون حرف الجر محذوفًا أي هب بنا أي أيقظنا ثم حذف وأوصل الفعل، وليس المعنى على من هب فهببنا معه وإنما معناه من أيظنا، وقال البيضاوي: هبنا بدون الهمة بمعنى أهبنا بالهمز، وقرئ {مِنْ} بمن الجارة والمصدر من هب يهب {هذا مَا وَعَدَ الرحمن} جملة من مبتدأ وخبر {وَصَدَقَ المرسلون} عطف على ما في حيز ما، وعطفه على الجملة الاسمية أو جعله حالًا بتقدير قد بدونه خلاف الظاهر، وما موصولة محذوفة العائد أي هذا الذي وعده الرحمن والذي صدقه المرسلون أي صدق فيه من قولهم صدقت زيدًا الحديث أي صدقته فيه ومنه قولهم صدقني سن بكره أو مصدرية أي هذا وعد الرحمن وصدق المرسلين على تسمية الموعود والمصدوق فيه بالوعد والصدق، وهو على ما قيل جواب من جهته عز وجل على ما قال الفراء من قبل الملائكة وعلى ما قال قتادة ومجاهد من قبل المؤمنين؛ وكان الظاهر أن يجابوا بالفاعل لأنه الذي سألوا عنه بأن يقال الرحمن أو الله بعثكم لكن عدل عنه إلى ما ذكر تذكيرًا لكفرهم وتقريعًا لهم عليه مع تضمنه الإشارة إلى الفاعل، وذكر غير واحد أنه من الأسلوب الحكيم على أن المعنى لا تسألوا عن الباعث فإن هذا الباعث ليس كبعث النائم وإن ذلك ليس مما يهمكم الآن وإنما الذي يهمكم أن تسألوا ما هذا البعث ذو الأهوال والأفزاع، وفيه من تقريعهم ما فيه.
وزعم الطيبي أن ذكر الفاعل ليس بكاف في الجواب لأن قولهم {مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا} حكاية عن قولهم ذلك عند البعث بعدما سبق من قولهم {متى هذا الوعد إِن كُنتُمْ صادقين} [يس: 48] فلابد في الجواب من قول مضمن معنيين فكان مقتضى الظاهر أن يقال بعثكم الرحمن الذي وعدكم البعث وأنبأكم به الرسل لكن عدل إلى ما يشعر بتكذيبهم ليكون أهول وفي التقريع أدخل، وهو وارد على الأسلوب الحكيم وفي دعوى عدم كفاية ذكر الفاعل في الجواب نظر، وفي إيثارهم اسم الرحمن قيل إشارة إلى زيادة التقريع من حيث أن الوعد بالبعث من آثار الرحمة وهم لم يلقوا له بالا ولم يلتفتوا إليه وكذبوا به ولم يستعدوا لما يقتضيه، وقيل آثره المجيبون من المؤمنين لما أن الرحمة قد غمرتهم فهي نصب أعينهم، واختصاص رحمة الرحمة بما يكون في الدنيا ورحمة الرحيم بما يكون في الأخرى ممنوع فقد ورد يا رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما.
وقال ابن زيد: هذا الجواب من قبل الكفار على أنهم أجابوا أنفسهم حيث تذكروا ما سمعوه من المرسلين عليه السلام أو أجاب بعضهم بعضًا، وآثروا اسم الرحمن طمعًا في أن يرحمهم وهيهات ليس لكافر نصيب يومئذ من رحمته عز وجل، وجوز الزجاج كون {هذا} صفة لمرقدنا لتأويله بمشتق فيصح الوقف عليه، وقد روى عن حفص أنه وقف عليه وسكت سكتة خفيفة فحكاية إجماعة القراء على الوقف على {مَّرْقَدِنَا} غير تامة، وما مبتدأ محذوف الخبر أي حق أو مبتدأ خبره محذوف أي هو أو هذا ما وعد، وفيه من البديع صنعة التجاذب وهو أن تكون كلمة محتملة أن تكون من الساق وأن تكون من اللاحق، ومثله كما قال الشيخ الأكبر قدس سره في تفسيره المسمى بإيجاز البيان في الترجمة عن القرآن ومن خطه الشريف نقلت {الذين آتيناهم الكتاب يَعْرِفُونَهُ} [البقرة: 146] الآية بعد قوله تعالى: {وَلَئِنِ اتبعت أَهْوَاءهُم مّن بَعْدَمَا جَاءكَ مِنَ العلم إِنَّكَ إِذَا لَّمِنَ الظالمين} [البقرة: 145] وقوله تعالى: {فِيهِ هُدًى بَعْدَ لاَ رَيْبَ} [البقرة: 2] فليحفظ.
{إِن كَانَتْ} أي ما كانت الفعلة أو النفخة التي حكيت آنفًا {إِلاَّ صَيْحَةً واحدة} حصلت من نفخ إسرافيل عليه السلام في الصور، وقيل: هي قول إسرائيل عليه السلام أيتها العظام النخرة والأوصال المتقطعة والشعور المتمزقة إن الله يأمركن أن تجتمعن لفصل القضاء.
وقرئ برفع {صَيْحَةٍ} ومر توجيهها {فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ} مجمع {لَدَيْنَا} عندنا وفي محل حكمنا وانقطاع التصرف الظاهري من غيرنا {مُحْضَرُونَ} لفصل الحساب من غير لبث ما طرفة عين، وفيه من تهوين أمر البعث والحشر والإيذان باستغنائهما عن الأسباب ما لا يخفى. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ (51)}.
يجوز أن تكون الواو للحال والجملة موضع الحال، أي ما ينظرون إلا صيحة واحدة وقد نفخ في الصور ال.
ويجوز أن تكون الواو اعتراضية، وهذا الاعتراض واقع بين جملة {ما ينظُرُونَ إلاَّ صَيْحَةً واحِدَةً} [يس: 49]. إلخ.
وجملة {ولو نشاء لطمسنا} [يس: 66].
والمقصود: وعظهم بالبعث الذي أنكروه وبما وراءه.
والماضي مستعمل في تحقق الوقوع مثل {أتى أمر الله} [النحل: 1].
والمعنى: وينفخ في الصور، أي ويَنفخ نافخ في الصور، وهو الملَك الموكّل به، واسمه إسرافيل.
وهذه النفخة الثانية التي في قوله تعالى: {ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون} [الزمر: 68].
و إذا للمفاجأة وهي حصول مضمون الجملة التي بعدها سريعًا وبدون تهيّؤ.
وضمير {هم} عائد إلى ما عادت إليه الضمائر السابقة.
ويجوز أن يعود إلى معلوم من المقام، أي فإذا الناس كلّهم ومنهم المتحدث عنهم.
و{الأجداث} جمع جَدَث بالتحريك، وهو القبر.
و{يَنسِلُونَ} يمشون مشيًا سريعًا.
وفعله من باب ضَرب وورد من باب نصر قليلًا.
والمصدر: النسَلان، على وزن الغليان لما في معنى الفعل من التقليب والاضطراب، وتقدم في آخر سورة الأنبياء.
وهذا يقتضي أنهم قُبِروا بعد الصيحة التي أخذتهم فإن كانت الصيحة صيحة الواقعة فالأجداث هي ما يعلوهم من التراب في المدة التي بين الصيحة والنفخة.
وقد ورد أن بينهما أربعين سنة إذ لا يبقى بعد تلك الصيحة أحد من البشر ليَدفِن من هلَك منهم، وإن كانت الصيحة صيحة الفزع إلى القتل فالأجداث على حقيقتها مثل قليب بدر.
ومعنى: {إلى ربّهِم} إلى حكم ربهم وحسابه، وهو متعلق ب {يَنسِلُونَ}.
{قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ (52)}.
استئناف بياني لأن وصف هذه الحال بعد حكاية إنكارهم البعث وإحالتهم إياه يثير سؤال من يسأل عن مقالهم حينما يرون حقية البعث.
و{يا وَيْلَنَا} كلمة يقولها الواقع في مصيبة أو المُتحسِّر.
والويل: سوء الحال، وإنما قالوا ذلك لأنهم رأوا ما أُعدّ لهم من العذاب عندما بعثوا.
وقد تقدم عند قوله تعالى: {فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم} في سورة البقرة (79).
وحكي قولهم بصيغة الماضي اتباعًا لحكاية ما قبله بصيغة المضيّ لتحقيق الوقوع.
وحرف النداء الداخل على {ويلنا} للتنبيه وتنزيل الويل منزلة من يسمع فيُنادَى ليحضر، وقد تقدم عند قوله تعالى: {قالت يا ويلتى} في سورة هود (72).
و{مَن} استفهام عن فاعل البعث مستعمل في التعجّب والتحسّر من حصول البعث.
ولما كان البعث عندهم محالًا كنّوا عن التعجب من حصوله بالتعجب من فاعله لأن الأفعال الغريبة تتوجه العقول إلى معرفة فاعلها لأنهم لما بُعثوا وأزْجي بهم إلى العذاب علموا أنه بعثٌ فعَله من أراد تعذيبهم.
والمَرْقَد: مكان الرقاد.
وحقيقة الرقاد: النوم.
وأطلقوا الرقاد على الموت والاضطجاععِ في القبور تشبيهًا بحالة الراقد.
ثم لم يلبثوا أن استحضرت نفوسهم ما كانوا يُنذرون به في الدنيا فاستأنفوا عن تعجبهم قولهم: {هذا ما وَعَدَ الرحمن وصَدَقَ المُرْسَلُونَ}.
وهذا الكلام خبر مستعمل في لازم الفائدة وهو أنهم علموا سبب ما تعجبوا منه فبطل العجب، فيجوز أن يكونوا يقولون ذلك كما يتكلم المتحسّر بينه وبين نفسه، وأن يقوله بعضهم لبعض كل يظن أن صاحبه لم يتفطن للسبب فيريد أن يعلمه به.
وأتوا في التعبير عن اسم الجلالة بصفة الرحمان إكمالًا للتحسر على تكذيبهم بالبعث بذكر ما كان مقارنًا للبعث في تكذيبهم وهو إنكار هذا الاسم كما قال تعالى: {وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمان قالوا وما الرحمان} [الفرقان: 60].
والإِشارة بقوله: {هذا} إشارة إلى الحالة المرْئية لِجميعهم وهي حالة خروجهم من الأرض.
وجملة {وصَدَقَ المُرْسَلُونَ} عطف على جملة {هذا ما وعَدَ الرحمن} وهو مستعمل في التحسّر على أن كذبوا الرسل.
وجَمع المرسلين مع أن المحكي كلامُ المشركين الذين يقولون {متى هذا الوعد} [يس: 48] إمّا لأنهم استحضروا أن تكذيبهم محمدًا صلى الله عليه وسلم كان باعثَه إحالتُهم أن يكون الله يرسل بَشرًا رسولًا، فكان ذلك لأنهم لا يصدقون أحدًا يأتي برسالة من الله كما حكى عنهم قوله تعالى: {وما قدروا الله حق قدره إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء} [الأنعام: 91] فلما تحسروا على خطئهم ذكَروه بما يشمله ويشمل سبَبَه كقوله تعالى: {كذبت قوم نوح المرسلين} من سورة الشعراء (105)، وقوله في سورة الفرقان (37) {وقوم نوح لما كذبوا الرسل أغرقناهم} وإما لأن ذلك القول صدر عن جميع الكفار المبعوثين من جميع الأمم فعلِمت كل أمة خطأها في تكذيب رسولها وخطأ غيرها في تكذيب رسلهم فنطقوا جميعًا بما يفصح عن الخطأيْن، وقد مضى أن ضمير {فَإذَا هُم جَمِيعٌ} [يس: 53] يجوز أن يعود على جميع الناس.
ومن المفسرين من جعل قوله: {هذا ما وعد الرحمن وصَدَقَ المُرْسَلُونَ} من كلام الملائكة يجيبون به قول الكفار {مَنْ بعَثَنا مِن مَرْقَدِنا} فهذا جواب يتضمن بيان مَن بعثهم مع تنديمهم على تكذيبهم به في الحياة الدنيا حين أبلغهم الرسل ذلك عن الله تعالى.
واسم {الرحمن} حينئذٍ من كلام الملائكة لزيادة توبيخ الكفار على تجاهلهم به في الدنيا.
{إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ (53)}.
فذلكة لجملة {ما ينظرون إلا صيحة واحِدَة} [يس: 49] إلى قوله: {وصدق المرسلون} [يس: 52] لأن النفخ مرادف للصيحة في إطلاقها المجازي، فاقتران فعل كانت بتاء التأنيث لِتأويل النفي مأخوذ من {ونُفِخَ في الصُّورِ} [يس: 51] بمعنى النفخة ينظر إلى الإِخبار عنه ب {صيحة}.
ووصفها ب {واحِدةً} لأن ذلك الوصف هو المقصود من الاسْتِثناء المفرّغ، أي ما كان ذلك النفخ إلاّ صيحة واحدة لا يكرر استدعاؤهم للحضور بل النفخ الواحد يخرجهم من القبور ويسير بهم ويُحضرهم للحساب.
وأما قوله تعالى: {ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون} [الزمر: 68] فتلك نفخة سابقة تقع على الناس في الدنيا فيفنى بها الناس وسيأتي ذكرها في سورة الزمر.
ولما كان قوله: {إن كانت إلا صيحة واحِدَة} في قوة التكرير والتوكيد لقوله: {ونُفِخَ في الصُّورِ} [يس: 51] كان ما تفرع عليه من قوله: {فإذَا هُم جَمِيعٌ لدينا مُحْضَرُونَ} بمنزلة العطف على قوله: {فإذا هم من الأجْدَاثثِ إلى ربّهم يَنسِلُونَ} [يس: 51] فكأنه مثل {ونُفِخَ في الصُّورِ فَإذَا هُم مِنَ الأجْدَاثثِ إلى ربهم يَنسلُون} [يس: 51] و{فإذا هم جميع لدينا محضرون} وإعادة حرف المفاجأة إيماء إلى حصول مضمون الجملتين المقترنتين بحرف المفاجأة في مثل لمح البصر حتى كأن كليهما مفاجأ في وقت واحد.
وتقدم الكلام على نظير هذا التركيب آنفًا.
و{جَمِيعٌ} نعت للمبتدأ، أي هم جميعهم، فالتنوين في {جميع} عوض المضاف إليه الرابط للنعت بالمنعوت، أي مجتمعون لا يحضرون أفواجًا وزرافات، وقد تقدم قوله تعالى: {وإن كُلٌّ لمَا جَميعٌ لدينا مُحْضَرُونَ} [يس: 32] في هذه السورة.
وقرأ الجمهور بنصب {صَيْحَةً}.
وقرأه أبو جعفر بالرفع على أن كان تامة، وتقدم نظيره في أوائل السورة. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
{وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ (51)}.
يموتون قَهْرًا، ويُحْشَرُونَ جَبْرًا، ويلقون أمرًا، ولا يملكون لأنفسهم نفعًا ولا ضرًا.
{قَالُواْ يَا وَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا} يموتون على جهلٍ، لا يعرفون ربَّهم، ويُبْعَثُون على مِثْلِ حالِهم، لا يعرفون مَنْ بَعَثَهم، ويعدون ما كانوا فيه في قبولهم من العقوبة الشديدة-بالإضافة إلى ما سَيَلْقَوْنَ من الآلام الجديدة- نومًا ورقادًا، وسيطئون من الفراق المبرح والاحتراق العظيم الضخم مهادًا، لا يذوقون بَرْدًا ولا شرابًا إلا حميمًا وغَسَّاقًا، ولقد عوملوا بذلك استحقاقًا: فقد قال جل ذكره: {فَالْيَوْمَ لاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَلاَتُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}. اهـ.

.تفسير الآيات (54- 59):

قوله تعالى: {فَالْيَوْمَ لَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَلَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (54) إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ (55) هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ (56) لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ (57) سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ (58) وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ (59)}.

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما كان هذا الإحضار بسبب العدل وإظهار جميع صفات الكمال قال: {فاليوم} ولما كان نفي الظلم مطلقًا أبلغ من نفيه عن أحد بعينه، وأدل على المراد وأوجز، قال لافتًا القول عن الإظهار أو الإضمار بمظهر العظمة أو غيره! {لا تظلم} ولما كان التعبير بما كثر جعله محط الرذائل والحظوظ والنقائص أدل على عموم نفي الظلم قال: {نفس} أي أيّ نفس كانت مكروهة أو محبوبة {شيئًا} أي لا يقع لها ظلم ما من أحد ما في شي ما.
ولما كانت المجازاة بالجنس أدل على القدرة وأدخل في العدل، قال محققًا بالخطاب والجمع أن المنفي ظلمه كل من يصلح للخطاب لئلا يقع في وهم أن المنفي ظلمه نفوس مخصوصة أو نفس واحد: {ولا تجزون} أي على عمل من الأعمال شيئًا من الجزاء من أحد ما {إلا ما كنتم تعملون} ديدنًا لكم بما ركز في جبلاتكم.
ولما قرر أن الجزاء من جنس العمل، شرع في تفصيله، وبدأ بأشرف الحزبين في جواب من سأل عن هذا الجزاء فقال مؤسفًا لأهل الشقاء بالتذكير بالتأكيد بما كان لهم من الإنكار في الدنيا وإظهار للرغبة في هذا القول والتبجح به لما له من عظيم الثمرة: {إن اصحاب الجنة} أي الذين لا حظ للنار فيهم، وكرر التعبير باليوم تعظيمًا لشأنه وتهويلًا لأمره على إثر نفختيه المميتة والمقيمة بذكر بعض ثمراته، وجمل من عظائم تأثيراته، فقال: {اليوم} أي يوم البعث، وهذا يدل على أنه يعجل دخولهم أو دخول بعضهم إليها ووقوف الباقين للشفاعة ونحوها من الكرامات عن دخول أهل النار النار، وعبر بما يدل على أنهم بكلياتهم مقبلون عليه ومظروفون له مع توجههم إليه فقال: {في شغل} أي عظيم جدًا لا تبلغ وصفه العقول كما كانوا في الدنيا في أشغل الشغل بالمجاهدات في الطاعات.